"العزوة"! بين منطق الذل والاستغلال الاقتصادي

Publié le par abderahman

hamid ahbar  

   

 

  

حميد اهبار

فاعل جمعوي من كلميمة

 

"العزوة"، تطور لفظي دلالي في الدارجة المغربية، يطلق في أيامنا هذه على كل ذي بشرة سوداء أو سمراء. لفظة "العزوة" بتسكين الزاي وفي بعض الأحيان كسرها للتصغير والتأنيث، جاءت من لفظ كان يستعمل سابقا لذات الغرض وهو لفظ "معيزو" ثم "عزي" بكسر وتشديد الزاي، والذي حذف منه حرف النون من لفظه الأصلي "عنزي". والمقصود هنا، ليس كل أنواع "العنزي" الذي يعرف الجميع أنه الماعز، إذ المقصود بطبيعة السياق والحال هو "العنزي" الأسود!!

 

هنا نجدنا أمام ثنائية لفظية ودلالية عجيبة، الإنسان الأسود/"العنزي" الأسود. قد لا نجد مثل هذا الارتباط بين اللفظتين ولا مثل هذا المنطق والرابط الذهني في مجتمعات أخرى، فهناك من الأسماء العائلية، في العالم العربي خصوصا في الخليج، أسر وعائلات  تسمى "آل العنزي" كما عندنا كذلك في المغرب عائلات من الرحل الأمازيغ  تسمى "آيت العنزي".

 

في لا شعور الكثير منا، ارتبطت صورة الإنسان "الأسود" عبر التاريخ بالأشغال الشاقة الحقيرة القذرة وبجميع الأعمال المرتبطة بالرق والعبودية التي كانت سائدة في عهود غابرة ولى عليها الدهر. نمط يعبر عن الاحتقار الذي كان سائدا في مراحل تاريخية كان يطرح فيها السؤال/اللغز، هل الإنسان الأسود، إنسان حقا، أم شيء أخر غير الإنسان؟؟ للأسف الشديد ورغم التطور الاقتصادي والثقافي والعلمي والسياسي والمفاهيمي، لا تزال الصور النمطية السيئة تلك  لصيقة بأذهان بعض الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية أو مرجعياتهم الفكرية...

 

السبب الذي أثار هذا الموضوع لدي في هذا الوقت بالذات هو مناقشة موضوع حساس جدا عبر الأثير، في إحدى الإذاعات المغربية عبر أمواج إف إمFM، وهو : "واش العنصرية كاينة في المجتمع المغربي ولاّ لا؟" وقد تمت مناقشة الموضوع عبر الأثير مباشرة وأكد أغلب المتدخلين أن مظاهر العنصرية موجودة وقائمة في المجتمع المغربي، عبر عدة تجليات وتمظهرات..، وأرجعوا ذلك إلى أسباب ثقافية، وسياسية، واقتصادية، وجهوية، وسوسيولوجية مختلفة يتداخل بعضها ببعض..

 

إن صورة ذوي البشرة الملونة السمراء أو السوداء في مجتمعنا مرتبطة بنمط معين من المهن والتصرفات، التي يكرسها المشهد السمعي البصري عموما والمشهد الدرامي خصوصا، فلا نجد هؤلاء في أفلامنا و مسلسلاتنا إلا في صورة الطباخ أو ماسح الأحذية، الگراب، الكونسييرج حارس العمارة، معد الشاي في الحفلات الفاخرة، الحارس الليلي للسيارات، الگرصون، السعاي... وفي الماضي كانت الصورة مرتبطة بالخماس، الكرارسي والحمال، والكسال والدادة –وهي مربية الأطفال في منازل الأغنياء– والطيابة  أو الگلاسة في حمامات النساء والمشاطة والنگافة و"المسخر" و"المسخرة" واللائحة طويلة جدا...

 

المهم أن التطور الحاصل في الميادين التي  سبق ذكرها جعل هذه الصورة تأفل شيئا فشيئا.

 

لكن واقع الحال يجعل المرء يطرح مجموعة من الأسئلة من قبيل: أين ذوي البشرة المذكورة سالفا في المشهد الإعلامي، أعني بذلك أمام الكاميرات، وليس خلفها بالطبع، في كل قنواتنا وتلفزيوناتنا الوطنية بمختلف لغات بثها وبرامجها كلها؟ أم أن ذوي البشرة الملونة لا قدر الله، خايفين إحشمو بنا؟؟ أو أنهم لا يتوفرون على كفاءات عالية؟؟ وهو ما يفنده الواقع في كافة القنوات العالمية، فالملونون والسود أصبحوا موضة في التلفزيونات العالميةTV5  TF1 TF2 TF3، القنوات الهولندية وحتى تلفزيونات بريطانيا BBC، و الأمريكية  قناة CNNأما الجزيرة  فلنقل إنها قناة عربية....

 

على كل حال إن الحنين إلى الشعور بالأفضلية، والاستقواء الاجتماعي، وحب الظهور بمنطق السيد الذي يعيش الترف "والفخفخة" والآخرون في الدرجات الدنيا هو السبب الرئيس للنزعة التمييزية عند البعض لأن المخلفات الثقافية جعلت نمط العيش الرغيد مرتبطا في مخيلتهم بوجود الخدم والحشم والإماء والعبيد. ولذلك جعل البعض في وقتنا الحاضر من موضوعنا هذا مطية للارتزاق وتحقيق أهداف اقتصادية وتسلق اجتماعي ولو على كرامة الآخرين، مستغلا ضعف البعض و قلة البدائل عند البعض الأخر، من أجل تقديم السعادة المزيفة والشعور بالأفضلية لمن يدفع أكثر.

 

 إن الذي أثار لدي هذا الكلام، هو منظر عجيب، فقد حضرت أثناء عطلتي الصيفية عرسا بمدينة في الأطلس المتوسط وبالضبط بمدينة أزرو، وكان الحفل في خيمة، عفوا، صالة مجهزة بطريقة أوروبية فخمة جدا، لا من حيث الديكورات الأشياء أو "الديكورات البشرية" عفوا على هذا التعبير المقرف، نعم "الديكورات البشرية" وهنا أستحضر مسالة التشييء في الرواية العالمية الجديدة والتي يصبح فيها الشيء بطلا بدلا من الإنسان،  أي أن الرجل الآلي يصبح بطلا في رواية أو في فلم مصور، أو العكس تماما، أي أن آدميا قد يصبح شيئا أو بمثابة الشيء في رواية أوفي فلم مصور، مثل الصورة النمطية التي تسوقها بعض وسائل الإعلام بالنسبة للمرأة حيث تجعلها بمثابة إكسسوار أو شيء مسوغ أو مرافق لسلعة أو بضاعة يراد إشهارها، فيتم قراءتها بالطريقة السيميائية على أنها تشيؤ. وهذا موضوع سأخصص له حيزا في المستقبل.

 

إن ما أقصده في هذا السياق بالديكور البشري، ذلك الشخص الذي كان يستقبل المدعوين بباب الصالة/الخيمة، إن من كان في استقبال الضيوف الكرام جدا!!! نعم إنهم كرام جدا، لما يحملون من هدايا تفوق في بعض الأحيان ما هو معقول وما يفوق طاقة بعضهم ممن أعرف حالتهم المادية كان شابا ذا بشرة سوداء "عزوة" حسب اللفظ المشاع، يرتدي فرجية صفراء و تحتها عباءة بيضاء، محزومة  النصف بشريط أحمر يتدلى  الزائد منها على مؤخرته  في شكل ذيل طويل يترنح يمنة ويسرة كلما تحرك، فضفاضة إلى الأسفل بشكل يجعلها مرفوعة بالضمة الظاهرة على آخره!! مرتديا نعلين من جلد "الجاموس" الأحمر، على رأسه طربوش أحمر هرمي الشكل، ممسكا بيده اليسرى بعمود من الخيزران يفوق طوله طول "العزوة" بنصف متر على الأقل. وقد ظل المسكين طيلة الليلة إلى غاية طلوع الشمس وهو يتصنع ابتسامة سخيفة ظاهرها عسل وباطنها علقم.. ظل المسكين على حاله وهو يستقبل كل ضيف وكل ضيفة بانحناءة مذلة للكرامة الإنسانية.  أطلقت بصري في تلك الصالة التي كان كل شيء فيها يلمع بشرا وأشياء على السواء، فحمدت الله على أن أحدا من الإخوة الأفارقة من جنوب الصحراء لم يكن حاضرا، و إلا كانت المسألة لا قدر الله سوف ترسم عنا نحن المغاربة صورة سيئة عندهم، ربما تتسبب في أزمة بيننا.

 

صاحب الخيمة الصالة، مقاول "تريتور" ربما لم يع خطورة المشهد الذي صنعه في خيمته، و أن ذلك  بالعربية تاعرابت قد "يخلي خيمة البعض". إنه بلا شك لم يقصد الإساءة إلى "العزوة"/"العبد" كما يناديه "المقاول" "التريتور" نفسه  بأعلى صوته كلما غفل عن استقبال مدعوة أو مدعو، إن "التريتور" كان له "العبد" بمثابة إكسسوار أو قل "كومبارس" لا بد منه في تأثيث الخيمة. إن العجيب ولا أظن ذلك من الصدف أن النگافة أيضا عزوة لبست بطريقة إماء القرون الوسطى، وهي تتصنع كل حركاتها وسكناتها و أصواتها، كان الله في عون المسكينة، ذل وخضوع لا يحتمله قلب بشر، طبعا ليس كل البشر، فالمقاول صاحب الحفلات يرى في توظيف أولائك المساكين "العزو" بضم العين، مجلبة للنفع الاقتصادي ولا يهمه في ذلك كرامتهم ولا مشاعرهم ولا مشاعر إخوتهم في البشرة، المهم أن في الصالة منظر العبيد والإماء وينتهي الإشكال، والأهم بالنسبة "للتريتور" هو أن يحس أصحاب العرس "خصوصا العريس والعروسة" "لالة السلطانة وسيدي السلطان"  بأنهم أسياد متميزون ولو للحظات في حياتهم..، للأسف وبلا أي مبالغة أو تهويل، وهذا موثق كله بالصور، أغلبية "السرباية" كانوا من ذوي البشرة الملونة ناهيك عن حملة "العمارية" و"النفارة" وحتى الغياط وأفراد فرقته إلخ..

 

إننا في عهد الحقوق المدنية وحقوق الإنسان يحز في قلوبنا أن نرى تلك المشاهد التي ترسم صورة نمطية لمواطنين لهم كل الحقوق مع إخوتهم في الوطن، ولا فضل لغيرهم عليهم، إلا بالتقوى وما  يسديه كل واحد من خدمة جليلة في تنمية وطنه. فالصورة النمطية ضد الإنسان الإفريقي الأصيل، أمر مرفوض، فاختلاف ألواننا وألسنتنا، من آيات الله في هذا الكون.. إن مفهوم مقاربة النوع الاجتماعي التي اعتمدت من أجل إعطاء النساء حقوقهن وتم اعتمادها كمقاربة وأرضية للنضال النسائي والديمقراطي، لهي نفس المقاربة التي يجب أن تعتمد من أجل محاصصة عادلة للمواطنين من ذوي البشرة الملونة والسوداء وغيرهم من المهمشين  في مجالات عديدة ومنها المشهد الإعلامي، والمشهد الدرامي، أضف إلى ذلك المراكز الحساسة، كالوزارات والسفارات  والبرلمان وغيرها من المراكز التي يقل فيها ذوو البشرة الملونة "أو العزويين" في المراكز الأمامية.

 

إن عهد التمييز على أساس اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين قد ولى، غير مأسوف عليه، إلا عند من طبع الله على قلبه وبصيرته. مما يجعل أحيانا  بعض الأسئلة تطل برأسها على أذهاننا جميعا وبلا استثناء، وهي، هل بنفس الرؤية والمنطق كان سكان جنوب إفريقيا سيقبلون الزعيم والمناضل الزنجي "مانديلا" ومن جاء بعده رؤساء عليهم؟؟ طيب قلنا تلك جنوب إفريقيا ويبدو الأمر طبيعيا. لكن  ماذا سنقول بخصوص السيد مبارك حسين أوباما الذي فاز بشكل مدوي في بلاد أمريكا، وما أدراك ما أمريكا،  التي تتزعم العالم  عسكريا واقتصاديا! أليس هذا بمنطق البعض منا  "تَخِير الزمان؟؟"

 

 

 


 

Publié dans droits de l'homme

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article